أول الغيث

تمهيد:
يشكل نقص مصادر الطاقة (بأشكالها المتعددة: الوقود السائل، الغاز، الكهرباء…) وارتفاع تكلفتها، تحدياً كبيراً على مستوى سوريا ككل، ومن ثَم عبئاً كبيراً (بالضرورة والنتيجة) على الأفراد والعائلات. وكان وعينا بهذا التحدي وهذا العبء دافعاً لنا منذ انطلاق مبادرتنا للقيام بعدة دراسات وجهود واتصالات للمساهمة في الحل.
ويؤسفنا أننا لم نحقق شيئاً من خططنا المقصودة بعد (طرحْنا الصعوبات والعقبات في اللقاء التعارفي).
الحملة:
وقد اقترح أخٌ لنا كريمٌ منذ بضعة أيام شراء عشرين أسطوانة غاز توزَّع على العائلات الأكثر احتياجاً في مخيم اليرموك، وتبرَّع لهذا الغرض بمبلغ خمسمئة دولار (وفق تقديره الشخصي للتكلفة) استلمناها منه يداً لِيَد، متعهداً بتغطية أية نفقات إضافية مستجدة.
ونود هنا أن نبدي بضع ملاحظات:
• يعد سعر أسطوانة الغاز مرتفعاً وفق عدة مقاييس (الاستهلاك اليومي للغاز، الدخل الشهري، سعر صرف الدولار، سعرها مقارنة بسعرها في إدلب مثلاً قبل التحرير، اعتماد كثير من البيوت الغاز مصدراً للتدفئة ما يضيف إلى التكلفة المالية، تطورات قصة البطاقة الذكية…). وإن أضفنا سوء الحالة الاقتصادية، ونفقات شهر الصيام ثم العيد، وعدم توفيقنا إلى الآن في إنجاز ما طرحناه من حلول بديلة مستدامة، يحدونا الأمل أن يكون في مساهمتنا هذه تخفيف للمعاناة عن بعض العائلات.
• عبر وجودنا في “البيت الفلسطيني” على الأرض، وعيشنا في مخيم اليرموك ومعايشتنا الحقيقية لمشكلاته، وحرصنا على تواصل يومي مباشر مع سكانه، بدأتْ تجتمع لدينا قاعدة بيانات أولية نتلمس من خلالها خطانا في سبيل الوصول إلى إحصاء علمي حقيقي شامل قابل للتحديث. ومن هذه القاعدة تم اختيار العائلات المستفيدة وفق معيار الحاجة.
• تواصلنا بشكل شخصي مباشر مع العائلات، ونلنا موافقتها بعد تأكيدنا على الخصوصية وتأكُدنا من وجود عبوات فارغة في حوزتها لإجراء عملية التبديل.
• الكرامة الإنسانية، وهي أولى قيمنا، تقتضي منا عدم نشر الأسماء والوجوه. في الواقع لم نصور إلا ما ننشره هنا: عملية التسليم.
• بعد استقصائنا عدة نقاط بيع للغاز، دون إهمال مسألة المسافة/النقل، استطعنا الحصول على الأسطوانات العشرين من أحد الباعة بمبلغ 380 دولاراً وفق إغلاق سعر الصرف يوم الثلاثاء الرابع من آذار/مارس 2025.
• تواصلنا مع المتبرع الكريم، وأخبرناه بالتطورات، وقد خوّلَنا مشكوراً التصرف ببقية المبلغ (120 دولارا) وفق احتياجات “البيت الفلسطيني”.
• ليس هذا طموحنا كما أسلفنا، لكن هذه هي الإمكانيات المتاحة الآن، ولسنا ممن يحقر من المعروف شيئاً وإن قَلّ، وما لا يُدرَك كلّه لا يُترَك جلّه.
الفريق المشارك:
يامن حميد، رئيس اللجنة الميدانية الخدمية في “البيت الفلسطيني”، المقبل دوماً على التطوع دون انتظار مقابل، وبسيارته التي تجعله بطلاً لسلسلة ترانسبورتر.
أحمد رفاعي، رافع الأثقال بأشكالها الأسطوانية ما امتلأ منها بالغاز وما كان فارغا.
إبراهيم السكران، اليقظ على الدوام على الرغم من كنيته، والبستاني الدائم لشارع مفلح السالم.
وسيم المصري، مختار اليرموك de facto الذي يعرفه حجراً حجرا، والمرشد لنا في متاهاته وغياب معالمه.
خلدون الملاح، الراكب المتطفل.
أحمد شحادة، الزعيم بلا منازع.
دون أن ننسى جهود ريم عموري ومحمد نجم في إنتاج الصور والشرائط ونشرها على الصفحات.
وبالتأكيد، بقية أبناء البيت وبناته، من لم يبخلوا ساعة في بذل الوقت والدعم والتواصل وإبداء الاقتراحات والملاحظات التي ما كان شيء ليتحقق دونها.
وبجهودهم، تم إكمال التوزيع في سويعات
من اليوم الأربعاء الخامس من آذار/مارس 2025، وإيصال الأسطوانات إلى البيوت بيتاً بيتاً، وهي الموزعة على كامل جغرافيا المخيم.
اعتذار وأمل:
قد نكون أطلنا في الكلام (وبوسعنا أن نطيل أكثر لكثرة التفصيلات) في حملة كانت ميزانيتها النهائية دون المبلغ المتبرَع به أصلا، لكن ذلك ليس إلا التزاماً منا بمبدأ الشفافية، ليس وحسب أمام أخينا الكريم (الذي يثق بنا ولا يبغي غير وجه ربّه)، بل أولاً وأساساً أمام ساكني اليرموك وأبناء البيت الفلسطيني ومتطوعيه وداعميه (أي أمام أهلنا وناسنا)، ومثالاً عن تحرّينا القيم الناظمة لمبادرتنا كما أوضحناها في البيان.
خطواتنا بطيئة، لكنها ثابتة ورصينة. هذه الحملة باكورة أعمالنا الملموسة، ونرجو أن تكون هذه القطرة أول الغيث.

اترك تعليقاً